قال لي: قديما في بلدي المغرب كانت الدولة لا توظف النساء المعلمات في القرى خوفاً عليهن ومراعاة لكونهنّ نساء، وكان التعيين في القرى مقتصرا على المعلمين الرجال، لكن بعد أن طالبت المرأة بحقوقها الضائعة التائهة المسلوبة حسب زعمها -وأهم هذه الحقوق مساواتها مع الرجل، لأنها ترى نفسها ذكرا لا أنثى-، قالوا لها:
من المساواة والعدل أن تتشاركي مع الرجل في أعبائه المكلف بها دونك، وسنلبي طلبك فنرسلك إلى القرى مهما كانت المخاطر والمصاعب، لتتساوي مع أخيك الرجل!
وقال: كان الرجل قديما يقف في الحافلات والمواصلات العامة لتجلس امرأة، لكنها عندما نافسته في واجباته، تغيرت نظرة الرجل إليها، فلم يعد يقدّم المزيد من الإحترام ولم يعد يهتم لها إن رآها واقفة في المواصلات تتأرجح في كل الإتجاهات، حتى لو قذفتها دعسة مفاجئة أو مقصودة على المكابح لتصبح فجأة في حضن أحدهم أو إزدادت التصاقا بآخر!
في معرض الرياض للكتاب، بينما كنت أقف إلى جوار دار من دور النشر، جاءتني إحداهن ودون سابق معرفة أو ترتيب وقالت: الدين لم يعط المرأة حقوقها!!
يا ربي! ما هؤلاء النساء اللائي يردِّدن كلاما يسمعنه حتى الببغاء يخجل من ترديده لبشاعته وسخافته!
كنت جالسة فوقفت، وقلت لها في إستنكار: الدين؟ تقصدين الإسلام؟
نظراتها ذكرتني بنظرات ابني الصغير عندما يتوقع العقوبة!
لم تجب! ففهمت أنها تقصده، تقصد الإسلام!
لم أكترث لمشاعرها، وتابعت: أنت واحدة من هؤلاء النساء اللواتي ظلمهنّ الإسلام، صحيح؟
لم تجب.
تابعت: الإسلام القادم من عند الله ورسوله ظلمك وحرمك حقوقك؟
لم تجب.
تابعت: وأنت، والنساء المسلمات اللاتي ظلمكنّ الإسلام في كل مكان في العالم، تردن أن تطالبن الإسلام بحقوقكنّ وتعلّمنه دروساً في العدل والمساواة، صحيح؟
عدت وجلست لأهدأ، وأرغمتها على الجلوس وقد ظنت أنها جلست بمزاجها.
قلت: ما اسمك؟
قالت: هبة.
قلت: اسم جميل جدا! أتعلمين من الذي أمر والديك بالإحسان عند إختيار اسمك؟
إنه الإسلام.
أتعلمين أنه -ربما- أذّن والدك وأقام الصلاة في أذنيك، بأمر من الإسلام، ليكون ذكر الله أول ما تسمعين، حفظا ورعاية لك من الشياطين والشرور؟
أتعلمين لماذا تدرسين وتتعلمين؟ لأن الإسلام أعطاك حق التعليم.
ومن الذي شدّد على والديك ليعدلا بينك وبين جميع إخوتك وأخواتك في المعاملة والحقوق؟ إنه الإسلام.
على وليّ أمرك أن يزوّجك من ذي الخُلُق الأمين صاحب الدين، ليتقيَ الله فيك ويصونك ويحميك ويوفر لك كل حقوقك.
فأي قانون هذا؟ إنه قانون الإسلام.
كل الرجال حولك مسخّرون لرعايتك وتوفير طلباتك، دون أن تكوني مضطرة للسؤال أو الطلب! إنه أمر الإسلام.
لك على أبنائك حق الطاعة والبر والإحسان، وبأمر من الله والإسلام! بل أعطاك النصيب الأعظم من الحق: أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك!
من بيّن لك حقك في الميراث وفصّله وفرضه؟ إنه الإسلام! وإنها القسمة العادلة التي تكفيك، ولا تظلم الرجل المكلّف بك أصلا.
من سترك وغطّاك، ففرضتِ بحجابك على الجميع إحترامك وتقديرك وعدم تجاوز الحدود معك، ونظروا إليك نظرة تختلف عن الأخريات، فأنت المحترمة المحتشمة الطاهرة الحييّة؟! إنه الإسلام الذي يحبك ويحافظ على عفتك!
من الذي أوصى بك ولك في آخر وصية على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إنه الإسلام «اتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرا»، وقال في مناسبات غيرها «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» و«رفقا بالقوارير»...
لعلّ لك إعتراض على القوارير؟ أتريدين أن تكوني حجرا مثلا أو صندوقا أو مطرقة أو ربما زهرة..؟
تابعت: القارورة شيء حساس رقيق شفاف، وتشبيهه عليه السلام النساء بالقوارير، يعني أنك إنسان رقيق حساس لا يحتمل القسوة ولا الغلظة فتلطّف أيها الرجل.. يعني أنك إنسان شفاف ما بداخلك يظهر عليك، فإنتبه أيها الرجل لمشاعرها ومشاكلها التي تمثل إنعكاسا لضيقها أو سعادتها!
أتحداك يا هبة، وأتحدى أيّ امرأة مسلمة أن تذكر شيئا حرمها منه الإسلام، وإن حرمت من شيء حسب زعم المزمّرات والمطبّلات والببغاوات والإمّعات فإنما هو في الأصل عطاء وتوقير وتكريم ورفع أذى أو إبعاد ضرر.
استغلّي حقوقك وإستعمليها في تطويرك وتطوير مجتمعك ونهضته، وإفخري بما عندك وتباهي به، والمجتمعات كلها تحترم من يحترم نفسه ويثق بمعتقده ودينه.
بقيت جالسة تنظر إليّ، قلت لها: بإمكانك أن تنصرفي!
بعد أن غادرت، أحسست أن أمرها غريب! لا أعرفها ولا تعرفني، فلماذا فتحت معي موضوعا كهذا في مكان عام كهذا!! ولماذا لم أسألها عن ذلك؟
الكاتب: إيمان شراب.
المصدر: موقع منبر الداعيات.